سنتكلم اليوم عن لمحة من حديث قدسي اتهمه بعض العلماء بالضعف، والبعض الآخر منهم لم يعترضوا عليه وقالوا إن معانيه تتفق مع كلام الله، وعلى هذا فقد صح معناه، ونحن وإن كنا لا ننسبه إلى الله إلا أننا وضعناه بجوار سلسلة الأحاديث القدسية، وسوف نهتدي بمعانيه وسننظر لبعض مما جاء فيه لأنه يعبر عن حال الكثير من العباد مع رب العزة.. فماذا يقول؟
"إنى والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلُق ويُعبد غيري، أرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل وشرهم إليّ صاعد، أتودد إليهم بالنعم وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر ما يكونون إليّ، أهل ذكري أهل مجالستي، من أراد أن يجالسني فليذكرني، أهل طاعتي أهل محبتي، أهل معصيتي لا أُقنِّطهم من رحمتي، إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم، وإن أبوا فأنا طبيبهم، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب، من أتاني منهم تائباً تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني ناديته من قريب، أقول له: أين تذهب ألك رب سواي؟ الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد، والسيئة عندي بمثلها وأعفو، وعزتي وجلالي لو استغفروني منها لغفرتها لهم".
أحبائي:
لقد وصلت إليّ رسالة من أخت تقول فيها إنها مرتبطة بشاب أكبر منها بـ13 سنة منذ أربع سنوات وتقدم لخطبتها ورُفِض لفرق السن والمركز الاجتماعي وهو خطب وزواجه بعد شهرين وهي إلى الآن تتصل به ولا تقدر على أن تبعد عنه فماذا تفعل..؟
وأنا أريد ونحن نقف لنتأمل معًا ما جاء في هذا الحديث: "أخلق ويعبد غيري".. أن أقول لها ستجدين إجابتك بين سطور حديثنا اليوم، لأننا سنتحدث عن إله باطل غير الله عز وجل.. إله الحب والهوى.. لعلنا نستكمل ما بدأناه في الحلقة السابقة (قلبي ملك ربي).
فما هي العبودية؟ لقد عرّف العلماء العبودية بأنها أقصى درجات الحب مع أقصى درجات الخضوع والذل، فهل الحب نوع من العبودية؟ نعم لأن االحب يملأ القلب فيكون هو الملك على القلب الذي هو الملك الحاكم في كيان الإنسان، فإذا خضع القلب خضعت بالتبعية باقي الجوارح. ويصبح الإنسان كله تابعا خاضعا لما يهوى.. لتتحقق فيه الآية: "أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا".. فما الذي قدمه هذا الإنسان الذي نعشقه حتى يكون أقرب لقلوبنا وأحب إليها من رب العزة؟! "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ".. إن هذا الإنسان لم يفعل شيئا غير أنه أصبح متعلقا في قلوبنا بحبل الهوى والغرام.. وكأن الله ينظر إلى أحوالنا ويقول: "أخلق ويعبد غيري؟!!"
بل إن الأمر من خطورته علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سوف ينادي على الناس ليقف كل منهم خلف من كان يعبد فيتفرق الناس ويقف كل منهم خلف أحب الناس إليه ومن مال قلبه نحوه ميلاً شغله عن الحق.
وهناك أربعة أشياء تنطبق على حب السيدات للرجال والعكس:
أولاً: أنك تبذل الغالي والرخيص من أجل هذا الشيء أو الشخص.
ثانيا: كثرة ذكر الشيء الذي تحبه.
ثالثا:ً حب الخلوة به وأن تبقى مستأنسا به فتستغني به عمَّن سواه.
رابعاً: الذل من أجل هذا المحبوب، هذه توابع وأحوال الهوى والغرام، فإذا بدأنا من آخر هذه الأحوال فإن الذل هو أن تكون سعادتك ويكون شقاؤك بيد هذا الإنسان، فإن رضي أسعدك وإن غضب أتعسك وأشقاك. بل إنك لتقضي الساعات في ذكر اسم من تحب ومواقفك معه فإن لم تجد من تتحدث معه عن حبيبك تحدثت بينك وبين نفسك عنه. ثم إنك لتبذل في سبيله الغالي والرخيص، وتود لو امتلكت الدنيا كلها لتقدمها له، فإذا سمعت كلمة حب أو حنان توجهت عيون قلبك لصورة حبيبك، وتوجه خاطرك نحوه، وتوجه عقلك لما تختزنه من ذكريات معه. وتصبح أسير هواه ورهين عشقه، وسجين صورته.
فإن لم تكن هذه هي العبودية، فأين هي العبودية الحقة؟! فكأننا نعيش العبودية التي هي أشرف المعاني ولكن في محراب الباطل، متوجهين للأهواء. فبئس المشاعر هي وبئس مصير من جعل قلبه متوجّهاً لإنسان فانٍ يشغله عن ربه ويقبع هاربًا من الله الباقي الذي خلق، والذي رزق، والذي وهب الحياة,, فسبحان الله..."أخلق ويعبد غيري"..
فإياك أن تكون عبداً لشهوة الحب التي هي جزء من شهوة الجنس، وسبحان القائل: "زين للناس حب الشهوات من النساء". أرأيت أولى الشهوات التي جاءت مخلوطة بمعنى الحب، "شهوة النساء".. وشتان بين حب الشهوات والخضوع لها، وبين حب الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي أعطى دون أن نطلب ورزق دون أن يكون لنا حول ولا قوة في الرزق.
وأختتم حديثي بأن اخرجوا من هذا الأسر، وهذه العبودية، من عبودية العباد لعبودية الله الواحد القهار.. وتذكروا حديث النبي: "أحبوا الله لما يغزوكم به من النعم، وأحبوني لحب الله إياي، وأحبوا آل بيتي لحبي لهم"..
الجمعة يونيو 06, 2008 5:13 pm
